ما هي زراعة الكبد؟

زراعة الكبد هي إجراء جراحي دقيق يُستبدل فيه كبد تالف أو متوقف عن العمل، بكبد سليم يتم الحصول عليه من متبرع حي أو متبرع متوفى دماغيًا. هذه العملية تُعد طوق نجاة للمرضى الذين يعانون من فشل كبدي حاد أو مزمن، أو أمراض كبدية مستعصية تهدد حياتهم.

يمثل الكبد عضوًا حيويًا يؤدي أكثر من 500 وظيفة، من بينها تنقية الدم من السموم، وتنظيم مستوى السكر، وإنتاج البروتينات الضرورية لتجلط الدم. وعندما يعجز الكبد عن أداء هذه الوظائف، تصبح حياة الإنسان في خطر حقيقي، وتكون زراعته الحل الأمثل والأكثر فعالية.

‍

من يحتاج إلى زراعة كبد؟

زراعة الكبد ليست خيارًا متاحًا للجميع، بل تُخصص لحالات محددة تعاني من أمراض كبدية متقدمة، منها:

• تليف الكبد الناتج عن التهاب الكبد الفيروسي المزمن (B أو C) أو بسبب الإفراط في الكحول.
• السرطان الكبدي الأولي (مثل الورم الكبدي الخبيث)، شريطة أن يكون محدودًا وغير منتشر.
• الفشل الكبدي الحاد المفاجئ بسبب عدوى أو أدوية سامة (مثل جرعة زائدة من الباراسيتامول).
• أمراض الكبد الوراثية مثل داء ويلسون أو داء ترسب الأصبغة الدموية (Hemochromatosis).
• أمراض المناعة الذاتية التي تهاجم الكبد.
• أمراض القنوات الصفراوية المزمنة، مثل التهاب القنوات الصفراوية الأولي.

خطوات زراعة الكبد: من البداية حتى الشفاء

1. التقييم الطبي الشامل

قبل اتخاذ القرار، يخضع المريض لتقييم دقيق يشمل:

• تحاليل الدم والبول ووظائف الكبد والكلى.
• تصوير الكبد باستخدام الأشعة المقطعية أو الرنين المغناطيسي.
• اختبارات توافق فصيلة الدم والأنسجة.
• تقييم للقلب والرئتين للتأكد من تحمل العملية.
• استشارات نفسية وغذائية، وتحليل مدى الالتزام بالعلاج بعد الزراعة.

2. العثور على متبرع مناسب

تتم الزراعة من مصدرين:

• متبرع حي: يتبرع بجزء من كبده (عادة الفص الأيمن أو الأيسر). بفضل قدرة الكبد على التجدد، يعود الكبد لدى الطرفين إلى حجمه الطبيعي خلال أسابيع.
• متبرع متوفى دماغيًا: يتم تسجيل المرضى على قائمة انتظار، وتُراعى الأولوية حسب الحالة الصحية ودرجة الاستعجال ومدى التوافق مع المتبرع.

3. إجراء العملية الجراحية

• تستغرق الجراحة ما بين 6 إلى 12 ساعة، ويُستخدم التخدير العام.
• يتم إزالة الكبد التالف بالكامل، وزراعة الكبد الجديد أو جزء منه، وتوصيله بالأوعية الدموية والقنوات الصفراوية.
• يتولى الفريق الجراحي ضمان تدفق الدم والعصارة الصفراوية إلى الكبد الجديد فورًا بعد الزراعة.

4. المتابعة والرعاية بعد الزراعة

• يبقى المريض في المستشفى 7 إلى 14 يومًا للمراقبة الحثيثة.
• يبدأ فورًا علاج مثبط للمناعة لمنع الجسم من رفض العضو الجديد.
• يتم إجراء تحاليل دورية لمراقبة وظائف الكبد، وفحص الأدوية وتعديل جرعاتها حسب الحاجة.
• تستمر المتابعة لفترات طويلة لضمان سلامة الكبد المزروع والسيطرة على أي مضاعفات.

فوائد زراعة الكبد

زراعة الكبد ليست فقط إنقاذًا للحياة، بل تُعد بداية جديدة لحياة صحية أفضل. من أبرز الفوائد:

• استعادة وظائف الكبد بالكامل أو بدرجة كبيرة.
• تحسن الأعراض مثل اليرقان، الاستسقاء، والحكة المزمنة.
• زيادة فرص البقاء على قيد الحياة لمدة طويلة، وقد يعيش المريض أكثر من 20 سنة بعد الزراعة.
• تحسن الطاقة والمزاج العام، واستعادة القدرة على العمل، السفر، وممارسة الحياة اليومية بصورة طبيعية.
• التحرر من العلاجات الدوائية المرهقة التي كانت تُستخدم قبل الزراعة، مثل المدرات أو النزيف المتكرر.

‍

ما هي مخاطر زراعة الكبد؟

رغم النجاح الكبير لهذه العملية، إلا أنها لا تخلو من بعض المخاطر التي قد تظهر في مراحل مختلفة:

• رفض الكبد المزروع بسبب تفاعل جهاز المناعة.
• العدوى نتيجة تناول أدوية مثبطة للمناعة.
• النزيف خلال أو بعد الجراحة.
• خلل في وظائف الكبد المزروع، وهو أمر نادر لكن محتمل.
• آثار جانبية طويلة الأمد من الأدوية، مثل ارتفاع ضغط الدم، أو ضعف الكلى، أو هشاشة العظام.

التعامل المبكر والدقيق مع هذه المخاطر يُحدث فارقًا كبيرًا في النتيجة النهائية.

نسبة نجاح زراعة الكبد

تُعد زراعة الكبد من أنجح عمليات زراعة الأعضاء، وتُظهر الأرقام:

• معدل بقاء على قيد الحياة لمدة سنة واحدة يتراوح بين 85–90%.
• كثير من المرضى يستمرون في العيش حياة طبيعية لمدة 10 إلى 20 عامًا أو أكثر بعد الزراعة.
• ترتبط معدلات النجاح بـ:
  • مدى توافق المتبرع.
  • الحالة الصحية العامة للمريض.
  • مدى الالتزام بتناول الأدوية والمتابعة الطبية الدقيقة.

الرحلة نحو الشفاء: ما بعد الزراعة

مرحلة ما بعد الزراعة هي الأساس الذي يُبنى عليه النجاح، وتتطلب:

• الالتزام التام بالأدوية والمواعيد الطبية.
• اتباع نمط حياة صحي، يشمل التغذية المتوازنة والامتناع عن الكحول والتدخين.
• الدعم النفسي والاجتماعي، لأن التغيرات الجذرية في حياة المريض قد تؤثر نفسيًا في البداية.
• وجود من يساعد في التنسيق والمتابعة وتقديم التوجيه بلغة المريض وظروفه، يُعد عنصرًا مهمًا في الراحة النفسية وتحقيق التوازن خلال فترة التعافي.

هل زراعة الكبد هي الخيار المناسب لك؟

الإجابة تعتمد على عوامل طبية كثيرة لا يمكن تحديدها بدون تقييم دقيق. لكن الأكيد أن هناك دائمًا خيارات، وتطور الطب جعل هذه العمليات أكثر أمانًا ونجاحًا من أي وقت مضى.

وتبقى المعلومة الدقيقة، والدعم الإنساني، والراحة النفسية، من أهم العناصر التي يحتاجها أي مريض في هذه الرحلة. لهذا السبب، يختار كثيرون أن تكون خطواتهم نحو العلاج مدروسة، منظمة، ومحاطة باهتمام كامل بالتفاصيل.

‍